Thursday, February 14, 2013

بائعة الكبريت ...

وأنا صغيرة كنت أشاهد التلفاز مثل أي طفل ، وكانت هناك قناة مشهورة لعرض المسلسلات والأغاني الكرتونية اسمها "سبيس توون" .. وهي عبارة عن مسلسلات مُترجمة للغة العربية لأنها عادةً ما تكون باللغة الأجنبية ... ه
كنت أشاهدها دوماً حتي السن العاشرة ، وكانت تُعرض أغنية عبارة عن قصة قصيرة لبنت يتيمة صغيرة تعمل عند سيدة شريرة ولا تعطيها أجراً كاف ، فتلجأ هذه المسكينة للعمل حتي تحصل علي نقود وتبيع "كبريت" للمارة في الشارع ، حتي نامت يوماً في الشارع وحينئذ كان الجو شديد البرودة ، فنامت ولم تستيقظ وماتت اليتيمة في الشارع بسبب شدة برودة الجو ...ه
كنت شديدة التأثر بهذه الأغنية ، كيف يُعقل أن يتم عرض كرتون حزين علي أطفال ؟؟ الأطفال دائماً بحاجة إلي أغاني أو مسلسلات تجعلهم فرحين ...وعادةً كنت أبكي بعد مشاهدة هذه الأغنية وتأتي أمي إلّي لتطمئني وتقول لي بإنها قصة ولا أصل لها في الحقيقة (كلام للتهدئة) وكنت أثق في كلام والدتي وأقتنعت بإنها قصة من أصل الخيال لها وجود لها في الحياة الحقيقية ... لكن هذه الأغنية ظلت راكدة في جبيني ، وأتذكرها بين الحين والآخر .. وأحياناً كنت أفتح التلفاز علي قناة "سبيس توون" لأري هل مازالت هذه الأغنية تُعرض علي الشاشة أم لا ...ه
كبرت وعلمت بأن يوجد من هذه البائعة ملايين من الأطفال تاركين مدارسهم للحصول علي النقود ومساعدة والديهم في الأمور الإقتصادية ... لكن هل تخيلت لمرة أن يقصو الطفل علي نفسه حتي لو كانت ظروفه صعبة ؟؟ في الحقيقة ، نعم .. لأنني لم أتخيل قط ألا يكمل الطفل تعليمه بسبب سوء الظروف المادية ببيته وإضطراره للعمل ، لكنه موجود هنا بمصر .. لكني لم أشعر بأن قصة بائعة الكبريت تطابق مع قصة أي طفل يعمل للحصول علي النقود ...ه
لكني للأسف وجدت ما هو أبشع من قصة "بائعة الكبريت" .. قصة "عمر صلاح عمران" .. هذا الطفل البالغ من العمر التاني عشر ويعمل بائع بطاطا منذ خمس سنوات تاركاً للعلم حتي يوفر الإحتياجات اللازمة له ولأخواته الثلاث ولأبيه ولأمه وكان حلمه إنه يحصل علي الراحة ليلق تعليمه مثل أي طفل في عمره ، لكنه لم يحصل عليها للأسف بعدما ضربه جندي الجيش برصاصة في صدره أراحته تماماً من الحياة الصعبة التي كان يعيشها عمر دون تحقيق حلمه الثاني وهو تلقي تعليمه ...ه
أصبحت قصة "بائع البطاطا" مؤثرة لي أكثر من قصة "بائعة الكبريت" ، فهي كانت يتيمة الأب والأم وتعمل عند سيدة شريرة وماتت لرغبتها في لحاق والديها ، لكن عمر كان له أحلام يريد تحقيقها ولم يكن يتيماً ومات بسبب غباء وجهل العسكري وبسبب الإهمال وبسبب فقره !ه
ليتغير فكري وأنا صغيرة "بأن قصة بائعة الكبريت لا وجود لها في الحقيقة" إلي "إن قصة بائعة الكبريت يوجد منها الكثير لكننا لا نري ولا نشعر ولا نريد أن نسمع" ...! ه


1 comment: